حقيقة مرة توصلت إليها عبر سنوات من البحث والتنقيب في بطون التاريخ الإسلامي والتاريخ الديني عموما وهو أنه لم يتم استغلال الدين من أي جماعة أو حزب أو طائفة وإدخاله في أتون السياسة إلا عاد ذلك بالوبال على البلاد والعباد وعلى تأزيم العلاقات فيما بينهم وبين مواطنيهم أصحاب الديانات الأخرى، كم من حرب دينية وقعت بسبب هذا ذهب ضحيتها الآلاف؛ بل الملاين من الناس؟! لهذا جاء الحسم من القرآن الكريم في حرية الاعتقاد » لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي » كما أن من مبادئ ديننا الإسلامي أن من حق أي إنسان أو جماعة تعيش تحت مظلته ولا تدين به أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وأعرافها وشعائرها الدينية، وعلى الدولة والحكومة المسلمة أن تحافظ وتحمي دورعبادة هؤلاء من معابد وكنائس وغير ذلك؛ فحماية دورعبادتهم هي من مقاصد العمران الإسلامي، يقول تعالى » ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا.. » وعلى ذلك جرى عمل المسلمين وحكامهم في الحفاظ وحماية حقوق هؤلاء في التعبد زمن فقه الأنوارالإسلامي ، الذي برز فقهاؤه قمة وعظمة الإسلام في أبهى صوره، وخصوصا فيما يتعلق بالحوار والتعايش والتسامح مع الآخر، حتى أن عالمي الديار المصرية الإمام والمحدث والفقيه الليث بن سعد والإمام قاضي مصر عبد الله بن لهيعة أكدا أن كنائس أقباط مصر لم تبن إلا في ظل الحكم الإسلامي، وأن والي مصر في زمن هارون الرشيد، موسى بن عيسى أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها من كان قبله وجعل ذلك من عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر في زمنهما، وفي هذا السياق يقول الدكتور « إيدمون رباط » في حديثه عن سماحة الدول الإسلامية: « إنه كان من حق الشعوب الخاضعة لنظامه أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وتراث حياتها، وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد فيه بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم » مع الأسف، يأتي اليوم جهلة بالدين والدنيا ويصدرون فتاوى يحرمون من خلالها بناء الكنائس في الدول الإسلامية !!.
والى الله المشتكي
الدكتور أحمد عبد الحميد كتانة